ذات مرة قال المؤلف والكاتب الساخر الشهير مارك توين: «إذا كنت بإزاء قول الحقيقة، فلست مضطرًا إلى تذكر أي شيء». ولو أنه عاش ليومنا هذا لاستطرد قائلاً: «إن لم ينطق كلامك بالحقيقة، فستنطق بها بيانات قياسك الحيوي». وليس أدل على ذلك مما كشف عنه مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) في شهر فبراير (شباط) عام 2018، عندما ألقى رجال المكتب القبض على مواطن سعودي يعيش في ولاية أوكلاهوما بتهمة حيازة تأشيرة مزورة والإدلاء بأقوال كاذبة أمام مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI). وقد كُشِف ستار «الفلاج» بفعل البصمات التي حُصِّلت من بعض الوثائق التي عُثِر عليها في أحد معسكرات التدريب التابعة لتنظيم القاعدة في أفغانستان عام 2000. ويبدو أن «الفلاج» قد أغفل هذه المرحلة من حياته عندما قدَّم التماسًا للحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة الأمريكية.1
وقد توقع «الفلاج» أن يظل تاريخه في أفغانستان غير معروف للسلطات الأمريكية؛ وهي حيلة كان من الممكن أن تنجح في الماضي حين يعبر المتهم حدود سلطة قضائية بعينها إلى نطاق سلطة قضائية أخرى، مع حيازة مستندات أصلية في ظاهرها. لكن لم تعد الحال كذلك؛ ففي ظل أوضاع مكافحة الإرهاب القائمة في الوقت الراهن، صارت لسلطات إنفاذ القانون اليد العليا بفضل ما تُتيحه لها علوم الطب الشرعي والتقنيات الحيوية من مقدرات حاسمة لكشف تلك المراوغات والأكاذيب المنسوجة. فبصرف النظر عن مصادر البيانات، سواء كانت – على سبيل المثال لا الحصر – الملفات جنائية محلية، أو سجلات الهجرة، أو أعمال التحليل الجنائي لساحات القتال الأجنبية، يُمكِن استعمال معلومات تحديد الهوية في أي مكان عن طريق أي وكالة، على اطلاع على تلك المعلومات، في نطاق السلطات المختصة. وإطلاع من يحتاجون إلى هذه المعلومات، من ثَمَّ، أولوية قصوى في التفاعل ما بين مختلف الوكالات؛ وهو أيضًا أولوية قصوى في التفاعل على المستوى الدولي عند التصدي للإرهاب.